إ تنتهك الكثير من البلدان ذات الانظمه غير الديمقراطية، معايير استقلال السلطة القضائية التي حددها القانون الدولي والتي تنص على كفالة الدولة لاستقلال السلطة القضائية وتلزمها من ان ينص دستورها وقوانينها على احترام هذه الكفالة، وعلى جميع المؤسسات الحكومية وغيرها من المؤسسات احترام ومراعاة استقلال القضاء.
ومن اجل توضيح ذلك نطرح السؤال التالي: ما هي أسس استقلال السلطة القضائية ؟
لقد أقر العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية بأسس استقلال السلطة القضائية، وعرف الاعلان العالمي لاستقلال القضاء الصادر عن مؤتمر مونتريال المنعقد عام 1983، استقلال القضاء بأنه: (حرية القاضي في الفصل في الدعوى دون تمييز او الخضوع لاية ضغوط او إغراءات، ويكون القضاة مستقلين تجاه زملائهم واتجاه رؤوسائهم, وتكون السلطه القضائية مستقلة عن السلطتيين التشريعية والتنفيذية واعادة النظر في الاحكام القضائية من اختصاص السلطة القضائية وحدها، ويحظر انشاء المحاكم الاستثنائية، ولكل شخص الحق في التقاضي امام المحاكم العادية وتنحصر صلاحيات المحاكم العسكرية في الجرائم التي يقترفها عناصر القوات المسلحة مع بقاء الحق دوما في استئناف قرارات هذه المحاكم امام محاكم استئنافية ضالعة في الشؤون القضائية.
للقضاء ولاية على كافة المنازعات، ولا يجوز الحد منها، والقضاة غير قابلين للعزل ويخضعون في تأديبهم لضوابط صارمة ولا يجوز ازعاج القاضي بسبب عمله، ويحظر على القضاة عضوية الاحزاب السياسية...). من اجل إلغاء اي فردية في تقرير مصير الاشخاص، من الضروري تقسيم السلطات واحترام الدولة لاستقلال القضاء باعتبار هذا الاستقلال العمود الفقري لدور القانون، وفي هذا السياق نستعير تعبير الكاتب الفرنسي (مونتسكيو)، مؤلف كتاب روح الشرائع الذي كان له تأثيركبير في تطور الدستور الفرنسي ابان الثورة، الذي قال: (ان الحرية تنعدم ان لم تكن سلطة القضاء منفصلة عن سلطة التشريع لان حرية ابناء الوطن وحياتهم تصبحان تحت رحمتها ما دام القاضي هو المشرع، اما اذا كانت السلطة القضائية متحده مع السلطة التنفيذية فإن القاضي يكون طاغيا).
يقول احد الباحثين في هذا السياق: (ان اول عوائق استقلال القضاء هو ازمان السلطة التنفيذية وغياب مبدأ التداول الانتخابي على الحكم، الامرالذي يجعل الجهاز القضائي اسير مجموعة حاكمة تسعى لتوظيف مختلف السلطات لخدمتها دون رقيب او حسيب. والنتيجة الاولى لهذا ظهور طبقة من المشرعين والحقوقيين المحترفين في انتهاك المعايير الدولية والتلاعب عليها من اجل توظيف القضاء، في خدمة المجموعة الحاكمة (كانت هذه الظاهرة شائعة في زمن نظام صدام حسين البائد).
كما ان هناك من يطالب بقوائم لمن مارس اوامر بممارسة التعذيب، وتعتقد بضرورة وجود قائمة سوداء بأسماء هذه الفئة التي تخدم الظلم والاستبداد على حساب سمعه القضاء ونزاهه المهنة.
اما ثاني العوائق فهو يكمن في تقزيم السلطة القضائية عبر تحديد صلاحيات القضاء العادي باللجوء الى القوانين الاستثنائية من جهة، واستثناء قطاعات حاكمة من فضاء السلطة القضائية...
ان المتتبع للشأن العراقي سوف يلاحظ ان طبقة (او زمره) القضاة المحترفين في انتهاك حقوق المواطنين في زمن العهد البائد قد لعبت دورا غير (...) من خلال التشريع والمحاكمات الجائرة وغير العادلة للمعارضين السياسيين والتبرير القانوني لانتهاكات حقوق الانسان (جنحة بسيطة يحكم بالاعدام).
وفي هذا السياق اعود بذاكرتي الى الوراء، حيث التقيت بمجموعة من شباب (الديوانيه), في احد المعتقلات كانوا عائدين للتو من محكمة الثورة في بغداد وبعد السلام عليهم (نحن كنا قبلهم في المعتقل) سألتهم عن الاحكام، التي اصدرتها عليهم المحكمة، فقالوا الاعدام !!! علما ان التهم الموجهة اليهم لا تستحق سوى السجن بضع سنوات او اشهر (التهمة هي اصدار منشورات باسم الحزب الشيوعي العراقي وسرقتهم آلة رونيو من مديرية التربية).
لقد افلت الكثير من هؤلاء القضاة من العقاب، لانهم قد تكيفوا مع الوضع الجديد، وفي غفلة من الزمن تمكن بعضهم من التسلل الى بعض مواقع المسؤولية!، وآخرون اصبحوا من دعاة الديمقراطية وحقوق الانسان ويطالبون بمعاقبه من اساءوا للناس في عهد النظام البائد !!!.
كما ان من اولى مستلزمات استقلال السلطة القضائية هو ابعاد وزارة العدل عن شؤون القضاء وجعل موازنة القضاء مستقلة يديرها الجهاز القضائي بعيدا عن وزارة العدل والمالية, كما يجب التوسع في اشراف القضاء على الانتخابات البرلمانية والبلدية والحد من السلطات التي تتيح لرئيس الدولة تسمية الملاكات العليا من السلطة القضائية...
واخيرا، رغم الترسانة التي انجبتها لجنة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة حول استقلال القضاء، فما زال هذا الاستقلال مجرد كلمة واردة في الدساتير لاكثر من ثلثي سكان المعمورة. |